"كلنا الأردن" حتى لا يتحول إلى "شبيبة" البعث...!
"كلنا الأردن" حتى لا يتحول إلى "شبيبة" البعث...!
بقلم: ياسر أبوهلاله.
لا تزال صورة طلائع حزب البعث العربي الاشتراكي زاهية في عيون كثيرين. فالتلفزيون السوري والتلفزيون الإسرائيلي كانا البديل الوحيد للمشاهد الأردني قبل اختراع الفضائيات. وفي تلك الفترة كانت فقرات الشباب والأطفال في دولة شمولية تحظى بأولوية قصوى. وكم كان جميلا منظر الشبيبة والطلائع وهم يتفانون في الأعمال التطوعية ويبدعون في الأعمال الفنية[size=14]أصالة في تلك الأيام كانت طفلةً تصدح برائعة الجواهري:
يا حافظ العهد
يا طلاع ألوية
صورة الشبيبة والطلائع، النشء الواعد المؤمن بوطنه وأمته المتطلع إلى توحيدها والساعي إلى تحرير فلسطين، "مثالية" لا تقبل الاهتزاز. إلى أن جاء المخرج المبدع عمر إميرلاي (مُنع من مغادرة سورية أخيرا) وهز الصورة بعنف في فيلمه "طوفان في بلاد البعث"؛ في فقرة في الفيلم الوثائقي يسأل الطفل: ماذا علمكم حزب البعث؟ فأجاب مرتجفا "الثقة بالنفس"!
لم تكن تجربة الأحزاب الشمولية في الاتحاد السوفييتي والصين والعراق ومصر وسورية وغيرها كلها سلبية. كانت فيها جوانب مضيئة ومن يشاهد ما حل في العراق الجديد لا شك أنه يترحم على الشمولية عندما تكون بديلا للطائفية والفوضى والتدمير. الأردن لم يكن بمنأى عن التفكير الشمولي، وجرت عدة محاولات لإيجاد حزب حاكم "يقود الدولة والمجتمع". لكن تلك المحاولات كانت مرتبطة بظرف طارئ وتزول بزواله.
"الاتحاد الوطني الأردني" لو كتب له البقاء لكان بعثا أردنيا أو حزبا وطنيا دستوريا كما في مصر أو مؤتمرا شعبيا عاما كما في اليمن. غير أن النظام الملكي ظل يعتبر نفسه للجميع فوق الأحزاب والانقسامات. الاتحاد الوطني الذي كتب ميثاقه الدكتور حسين المومني، المسؤول الأمني آنذاك، كان محاولة للم شتات المجتمع الخارج من أحداث أيلول. وانتهى دوره بانتهاء تلك الحقبة.
في السنوات الأخيرة، ظهرت دعوات لإيجاد إطار جامع. برزت على شكل حملات إعلانية عرفت بشعار "على قدر أهل العزم" ثم آلت إلى "الأردن أولا" وهي مجموعة ندوات خرجت بتوصيات لم ينفذ أكثرها وبقي منها الشعار الذي يضعه بعض المتحمسين على الصدر وساما. وقبل أن يجف حبر الأجندة التي وزعت على شكل قرص مدمج وعلى نطاق واسع لها ظهرت فكرة "كلنا الأردن".
وقد تحاورت مع الفنان عماد حجاج صاحب "كلنا الأردن" الرسمة والشعار (المخرج إياد الخزوز يؤكد أنه هو صاحب الشعار وعماد يرى أنه ثمرة حوار سريع بين ثلاثة هم عماد وإياد والخطاط خطاب الذي وزعه على شكل إعلانات في الشوارع) وانتهى إلى أنه لم يرد من الرسمة ما أريد من ملتقى "كلنا الأردن". وتحاورت مع قياديين في ملتقى كلنا الأردن فقالوا إنه يكرر ما قالته الأجندة. وأنهم ما أضافوا عليها غير ما تقتضيه ضرورات الشكل.
وحتى الآن تطور "كلنا الأردن" من رسم في صحيفة إلى رسم إعلاني إلى ملتقى موسع خرج بلجان وتوصيات وعدت الحكومة بتنفيذها إلى درجة أن رئيس الوزراء اعتبر أنها ستكون "عنوان عمل الحكومة". وحتى الآن لم يتضح كيف ستكون "الهيئة الشبابية لكلنا الأردن"، والمأمول أن تستفيد من تجارب البشرية التي سبقتها فلا تكون إطارا شموليا لحزب حاكم. والأهم أن تستفيد من التجارب المحلية في الجامعات.
فتجربة "وطن" تستحق الدراسة ولا يزال القائمون عليها أحياء. فيها إيجابية أنها ضمت الطلاب الموالين للخط الرسمي في مواجهة الطلاب الإسلاميين واليساريين وغيرهم. من حق الحكومة أن يكون لها أنصارها لكن ليس من حقها أن تحابيهم وتدعمهم على حساب من يختلفون معها في وجهات النظر، فتحولهم من حيث لا تدري إلى مطبلين لها.
قبل أن نرى إلى أين ستمضي تجربة "الهيئة الشبابية لكلنا الأردن" لا بد من التحذير من تحويلها إلى أداة حكومية تقع في أمراض النفوذ والتكسب. وقبل أن نرى الهيئة وفعلها أورد مثالا ذكره لي مدرس مادة علمية في جامعة حكومية مرموقة. أحد طلابه وهو من القيادات الطلابية جاءه إلى المكتب وقبل أن يغادر عرض على أستاذه إن كان يريد مساعدة من مؤسسة رسمية مهمة، فما كان من الدكتور إلا أن طرده من مكتبه وقال له عندما أحتاج لمساعدة لن أطلب منك.
سلوك المدرس القوي قد لا يتكرر مع مدرس آخر ضعيف، يغدو ملكا للطالب صاحب اليد العليا.
قوة الطالب ليس في استناده إلى إبداعه ودعم الجامعة والدولة له، وإنما بانتخابه من زملائه الطلاب، في انتخابات نزيهة يتكافأ فيها جميع الطلاب بمعزل عن مواقفهم الفكرية أو السياسية. ومن المؤسف أن الانتخابات ألغيت في أكبر وأعرق جامعة رسمية، الجامعة الأردنية، في عز الحديث عن التنمية السياسية. مع أن الانتخابات لم تتوقف فيها في عز أيام الأحكام العرفية. في تلك الأيام لم يكن رئيس الجامعة يعين نصف الطلاب ورئيسهم.