هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةلواء الكورةأحدث الصورمنصة درسكالتسجيلدخول

 

 الأوجه المختلفة للإبداع

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
Admin
Admin
المدير العام


عدد الرسائل : 884
العمر : 40
الموقع : كفرالماء - حي الزهور
تاريخ التسجيل : 13/04/2008

الأوجه المختلفة للإبداع Empty
مُساهمةموضوع: الأوجه المختلفة للإبداع   الأوجه المختلفة للإبداع I_icon_minitimeالسبت سبتمبر 13, 2008 12:48 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته






بسم الله الرحمن الرحيم







"العبقرية مثلها مثل درجات الحرارة شديدة الارتفاع التي لها القدرة على تفكيك تجمعات الذرة ثم إعادة تنظيمها مرة أخرى في نظام مختلف كلية".
"
بروست"
"العبقرية دالة على رغبة في التغير، والتغير اشتياق وتطلع إلى عالم آخر جديد".
"صموئيل بتلر"

هب أننا سألنا بضعة من الأشخاص عن الصورة التي يحملها كل منهم عن الشخص المبدع وخصائص العمل الإبداعي، أو هب أنك سألت كل واحد منهم منفصلا عما يجعله يؤمن بعبقرية "شكسبير" أو "بيكاسو"، أو "أينشتاين" أو "نجيب محفوظ"، أو "ابن سينا'، سنجد من المؤكد تفاوتا ضخما بين الأفراد في الأحكام التي يحملها كل منهم عن مظاهر العبقرية والنبوغ لدى هؤلاء.
فبعضهم قد يرى في الإبداع مظهرا من مظاهر خصوبة التفكير وسيولته، ومعيارا لفيض لا ينضب من الأعمال. فالعبقري- في نظر هؤلاء- أشبه بالعجلة الحربية التي لا تكف عن إشعال الشرر. أنظر مثلا إلى "أبو بكر الرازي"- الملقب ب "جالينوس العرب" لعبقريته الطبية- إنه يذكر عن نفسه أنه كتب بمثل خط التعاويذ المنمنمة وفى عام واحد أكثر من عشرين ألف ورقة، حتى: "ضعف بصري وحدث لي فسخ في عضل يدي". ولم يقتصر على كتاب "الحاوي" الذي يعتبر من أهم الكتب الطبية التي مهدت لنشأة الطب الغربي المعاصر، بل كتب في التاريخ والفلسفة، بل إنه زاول الموسيقى والغناء وصارا بفضله لونا من ألوان العلاج التي تبناها الطب النفسي المعاصر في أيامنا هذه (أحمد محمد الشنواني، كتب غيرت الفكر الإنساني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997).
ولم يعرف "شكسبير" ب "هاملت" بل كتب أيضا "عطيل"، و "الملك لير"، و "ماكبث "، و "الملك هنري الرابع". وكتب في الكوميديا بالقدرة نفسها التي كتب بها في المأساة. ومسرحياته تربو على العشرات، وقصائده تتجاوز المئات. وبداخل كل منها فيض غزير من الصور. ولم تنبن شهرة الروائي المصري المعروف " نجيب محفوظ " على تأليف "الثلاثية"، بد إنه كتب قبلها وبعدها عشرات الروايات والقصص بما فيها "كفاح طيبة"، "رادوبيس" و "
زقاق المدق" ، " بداية ونهاية" ، " الكرنك " ، " خان الخليلي"، "الحرافيش"... الخ. وهكذا أيضا "بيكاسو" لم تنبن شهرته على لوحة واحدة في اتجاه واحد، بل إن لوحاته تزيد على المئات، وكل لوحة منها تحفل بعديد من المنبهات، والألوان، والموضوعات. وفى مجال العلم لم تنبن شهرة علماء من أمثال "نيوتن" و "أينشتاين" على نظرية واحدة- على الرغم من أن شهرة الواحد أو الواحدة منهم اقترنت بذلك- بل إن لكل عالم مجالات علمية أخرى قد برز فيها بتفوق. صحيح أن " نيوتن" مثلا قد ارتبط اسمه بنظرية الجاذبية. ولكن نظرياته في الضوء والبصريات لا تخفى على أحد من المتخصصين. وهكذا أيضا يمتاز كل من استحق أن نطلق عليه لفظ عبقري بجدارة.
وأصحاب هذه النظرة التي تهتم بالكم والخصوبة لا يعنيهم الاهتمام بعمل بعينه من حيث نتائج هذا العمل وقيمته في دنيا الإبداع الفني أو العلمي، ولكن تعنيهم كمية الأعمال المنتجة بغض النظر عن كيفها. ومن ثم، نجد طائفة أخرى لا تهتم بهذا الكم، بمقدار ما تهتم بتنوع الأعمال الإبداعية، وقدرة المبدع على تشكيل حالاته الذهنية والعقلية بطرق مختلفة. فالعبقري في نظر هؤلاء يملك فكرا أشبه بحبات الخرز التي تنتظم في أشكال متنوعة وخصيبة. وعن مثل هذا الأمر يتحدث بعض نقاد الأدب في تقييمهم لكثير من الأعمال الأدبية والمسرحية: هل استطاع صاحبه أن يتجاوز نفسه؟ هل استطاع أن يتخطى الأعمال التي سبق له أن قدمها من قبل؟ أم أنه ظل أسيرا لمجموعة محددة من الأفكار الضيقة المتصلبة مما يطبع أعماله بطابع من الجمود وضيق الأفق؟
في نظر هؤلاء لا يكون مقياس الإبداع والعبقرية بالنسبة " لشكسبير" مثلا وعشرات المسرحيات المأساوية والكوميدية التي نسجها، ولا مئات القصائد الشعرية التي زخرت بها أعماله، ولكن المقياس في نظر هؤلاء هر مدى التنوع الذي صاغ به "شكسبير" شخصيات مسرحياته، وقصائده، والموضوعات الجديدة التي يحملها كل عمل من أعماله. إن أي عمل جديد "لشكسبير" تبدو فيه- بالرغم من الطابع العام لشخصيته وأسلوبه في الكتابة- روعة المحاولة للتحرر من منظور العمل السابق وموضوعه. فلم يكرر فكرة، ولم يستخدم صوره الشعرية بصورة جامدة متكررة. فالمأساة في "هاملت" اختلفت عن غيرها من المآسي والتراجيديات التي وضعها، وتختلف أيضا معالجة مضمونها عن مضمون المأساة في " لير" أو "عطيل".
وبالمثل نجد أنه على الرغم من تميز "نجيب محفوظ" بوجود أسلوب خاص به في الكتابة والتأليف، إلا أن المضمون ومسرح أحداث رواياته، اختلف من رواية إلى أخرى، ف "كفاح طيبة" تصف حقبة تاريخية قديمة في تاريخ مصر الفرعوني. لمكن الثلاثية تصف أحداثا وتعرض لأشخاص في أحياء القاهرة الشعبية الحديثة. وفى " الشحاذ " مارس " محفوظ " قدراته على التحليل المتعمق لشخصية واحدة بعينها واصفا ما تمر به هذه الشخصية من تطورات تفاعلت في إحداثها الظروف الخارجية والفردية الخاصة بهذه الشخصية، وكأنه عالم نفسي قدير يصف حالة من الحالات النفسية في عيادته أو مستشفاه. وهكذا أيضا تبدو عبقرية "ديستوفسكي" أو "ديكنز" و" ليوناردو دافنشي" : قدرة على تخطي الذات، والتحرر من النظرة الجامدة، والتفتح على عالم متنوع وخصيب بالرؤى والصور والأشكال والموضوعات.
واتخذت عبقرية "ابن حزم الأندلسي" في التراث الإسلامي والعربي اتخذت شكلا هاما، فهو يعتبر أمتع من كتب عن الحب والعشاق وسيكولوجية العلاقات الإنسانية في كتابه "طوق الحمامة في الألفة والآلاف"، ولكنه فضلا عن هذا كان فقيها وكان طبيبا وكان فيلسوفا يرجع إليه الناس فيما يستعصي عليهم من أمور في هذه الموضوعات وغيرها من أمور حياتهم، وله في هذه التخصصات مؤلفات معروفة لها قيمتها في التراث الإنساني.. الخ.
لكننا قد نجد أيضا من ينظر للعبقرية والإبداع بمنظور آخر، ومن يقول بأن مقياس العملي الإبداعي يكمن في وزن العمل وقيمته لا بالنسبة لأعمال المفكر الواحد، ولكن بالنسبة لوزنه بين الأعمال الأخرى لعديد من المفكرين. فهل استطاع هذا العمل أن يقدم رؤيا جديدة؟ وهل استطاع أن يقدم تأليفا جديدا بين أشياء متناقضة بحيث يلقى على بعض الظواهر أضواء لم تكن ملقاة عليها من قبل؟ وصاحب هذا الرأي قد لا يعنيه مقدار ما أنتج الفكر، ولا مقدار التنوع في أعماله فحسب، بل إن ما يعنيه أساسا هو وزن العمل، وقيمته في دنيا الأعمال الأخرى من حيث جدته، وأصالته، وقدرته على الامتداد بحدود الخبرة إلى آفاق جديدة. وإذا ما قيست الشخصية المبدعة بهذا المقياس فإن الحكم عليها، وعلى العمل الإبداعي يصبح شديدا وصارما نسبيا. وعلى مر تاريخ الفكر البشري قد لا تتجاوز الأعمال الإبداعية- بهذا المقياس- العشرات. وقد لا يزيد عدد الأعمال الإبداعية للمفكر الواحد عن واحد أو اثنين على الأكثر، هو الذي اكتسب من خلاله الشهرة والتقدير. فمن بين كل مؤلفات "داروين" يبرز "أصل الأنواع" في نظريات التطور، ومن " كارل ماركس" رأس المال، ومن "دستوفسكي" "الأخوة كارامازوف" ومن " نيوتن" كتاب " برنكيبا "، ومن " بافلوف" المجلد الموسوم " الأفعال المنعكسة الشرطية " ومن "فرويد" يبرز " تفسير الأحلام "، ومن "طه حسين" يبرز "الأيام" من بين عشرات الكتب التي وضعها أو وضعها آخرون في التراجم الشخصية، ومن " نجيب محفوظ " الثلاثية "، ومن " توفيق الحكيم" عودة الروح ومن "عباس العقاد" "عبقرية محمد" ومن "ابن سينا " يبرز "القانون" كأحد أهم المراجع الطبية الرائدة في تاريخ الممارسة الطبية، ومن "ابن حزم الأندلسي" برز كتابه "طوق الحمامة في الألفة والآلاف" ومن عشرات الكتب التي وضعها أبو بكر الرازي يبرز كتاب " الحاوي "، ومن "أبو العلاء المعري" تبرز رسالة الغفران، كأثر أدبي خالد تشبه فيما يذكر "طه حسين" بالآثار الغربية الخالدة مثل "الكوميديا الإلهية" لدانتي، أو " الفردوس المفقود" لميلتون، وهكذا.
وبهذا قد يصبح العمل الإبداعي نادرا ندرة وجود هذه الأعمال الموسومة وما شابهها. ويصبح الحكم على عمل ما بأنه مبدع ومتميز صارما صرامة الشروط التي حققت من خلالها هذه الأعمال- التي ذكرناها- الخلود لها ولأصحابها.
وقد يتصور البعض أن المبدع شخص يتسم بحساسية مرهفة، وقدرة على الإدراك الدقيق للثغرات، والإحساس بالمشكلات وإثارتها. فمنظر غروب الشمس قد لا يثير عند الشخص العادي أكثر من مظاهر الترف لما يتطلبه ذلك من جوانب التكيف المختلفة التي يفرضها مقدم الليل.
أما بالنسبة لشاعر مبدع فإن مغيب الشمس قد يكون بؤرة لكثير من المشاعر بمقاييس الحساسية المرهفة والوجدان اليقظ، أو أنه الوقت الذي يضع فيه الشخص.

 § الرأس في اليد وفى العيون ألغاز وفى النفس اكتتاب مثل اكتئاب العاشقين
كما كان يحلو ل " إيليا أبو ماضي" الشاعر المهجري العربي المعروف أن يصف مقدم المساء.
وقد شاهد الملايين قبل "نيوتن" ثمارا تسقط من أشجارها، غير أن مشهد التفاحة وهى تسقط من شجرتها في حديقته ب "ولثروب" Wolthrop كان يحفل بالنسبة له بكثير من المشكلات والأسئلة الغامضة، التي انتهت به بعد ذلك إلى إجابتها من خلال نظريته عن الجاذبية الأرضية.
وفى المجال الاجتماعي لم تأخذ مشكلة التفاوت الضخم بين الطبقات وتوزيع الثروة أكثر من صورتها القدرية الساذجة، أما بالنسبة لكارل ماركسي، فقد كانت مصدرا لإثارة الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي نبهـته بعد ذلك لكتابة المجلدات الضخمة عن هذا الموضوع. وعندما لاحظ "بافلوف " أن الكلاب في معمله بجامعة " سان بترسبرج" كانت تفرز اللعاب سواء عند وضع مسحوق اللحم في أفواهها، أو عند مجرد سماعها لصوت خطوات المجرب وهو يتجه نحوها ليطعمها سواء بسواء، أحس بأن هناك ظاهرة تحتاج للتفسير، ومن ثم كان ذلك بداية لوضعه نظرية التعلم الشرطي، التي ندين لها بكثير من المنجزات في فهم السلوك الإنساني والحيواني على السواء. (للمزيد عن نظرية "بافلوف" في التعلم الشرطي، نحيل القارئ لكتابنا أسس علم النفس، 1987).
وأخيرا- وليس آخرا- فقد يثير البعض تصورا آخر للعبقري والمبدع. فالمبدع في الفن أو العلم هو ذلك الشخص القادر على إدراك الروابط الخفية بين الأشياء. فالخاصية العامة التي تجمع بين الاختراع والتفكير العلمي، والخلق الفني تتبدى في مدى السهولة واليسر لدى الفنان أو العالم أو المخترع في إعادة ترتيب عناصر سابقة في صياغة جديدة. فالعالم والفنان مثلا كلاهما يتساوى مع الآخر بزاوية ما. فكما يحول الفنان خبرته بالبشر إلى رواية أو مسرحية، فإن العالم يختبر البيانات التي جمعها- بجهده أو بجهد الآخرين- ويحولها إلى صياغة نظرية جديدة. فكلاهما- إذا- يعيد صياغة أنواع محددة من المعلومات والخبرات الموجودة في نمط أو نظام أو شكل جديد.
ولا يعجز أصحاب هذا الرأي الأخير عن أن يجدوا الأدلة المتعددة لإثبات ذلك؟ فعبقرية "نيوتن" ظهرت في قدرته على الربط بين سقوط التفاحة والجاذبية، و "فرويد" في قدرته على الربط بين هفوات اللسان، وزلات القلم والأحلام، بعالم اللاشعور، والرغبات المكبوتة، و"بافلوف" في قدرته على الربط بين إفراز اللعاب والمنبهات الشرطية، والشاعر والأديب الروائي تتخلق مواهبهم الأصيلة وتتكون من خلال قدرتهم جميعا على الربط بين العناصر الحسية والخبرة الماضية في شكل جديد، بتأثير من القدرات العقلية، والحياة العاطفية، ورؤيتهم الأيديولوجية للواقع. إن "فولستاف" في "الملك هنري" ليس مجرد شخص عربيد. والحذاء في لوحة "فان جوخ" المشهورة التي تحمل نفس الاسم ليس حذاء عاديا. والمسيح في لوحات "جيوتو" ليس هو المسيح الحقيقي. و"شهرزاد" عند "توفيق الحكيم" ليست "شهرزاد الحقيقية إن كان لها بالفعل وجود حقيقي، كما أنها ليست شهرزاد ألف ليلة، "وميرسول" الغريب عند "كامي" لا يمثل صورة تسجيلية لقاتل حقيقي. إنها جميعا أشخاص وصور وأشكال، وخبرات أعيد تشكيلها من جديد، من خلال ارتباطها بالحياة العاطفية والرمزية للفنان، ورؤيته لواقعه، أو لجانب من هذا الواقع.
هكذا يمكن إذا أن نجد الصورة التي يحملها كل منا عن العبقري أو المبدع المفكر تختلف وتتنوع، بحيث قد لا يلتفت صاحب وجهة نظر معينة إلى وجهات النظر الأخرى. فكيف إذا يواجه عالم النفس هذا التنوع؟ هل يعتنق فكرة دون الأخرى يتبناها في نظرته لأعمال الإبداع الفني والعلمي؟ أم أن له طريقا آخر؟
الحقيقة أن موقف عالم النفس يختلف فيما أوضحنا عن غيره منهجيا، فهو يقوم بتحليل العملية الإبداعية بالإطلاع على وجهات النظر المختلفة. وبمقتضى هذا التحليل، وبمقتضى المسلمات المنهجية استطاع علماء النفس أن ينظروا إلى الإبداع بصفته عملية تشير إلى وجود مجموعة معينة من السمات أو القدرات، أو العوامل التي يظهر تأثيرها في سلوك الشخص المبدع، ويسمى الشخص مبدعا إذا ما ظهرت لديه تلك السمات أو بعضها بدرجة شديدة. وبالطبع فقد يشتهر عالم أو أديب بقدرة معينة دون قدرة أخرى، إذ ليس بالضرورة أن تتوافر جميع هذه العوامل في عمل واحد، أو شخص واحد. فمنهم من تزداد قدرته على الإحساس بالمشكلات والثغرات، دون اكتراث بما يتطلبه ذلك من محاولة لعلاج تلك المشكلات واستكشاف الحلول الملائمة لحلها.
وعلى الرغم من أن تحليل عالم النفس للعملية الإبداعية، يبدأ عادة من إطار أو تصور نظري، فإنه لا يعتمد بكامله على التحليلات النظرية والحدس. إنه يتجه عادة إلى صياغة أفكاره في شكل فروض محددة تصلح في نظره للإلمام بالجوانب المختلفة للعملية الإبداعية، أي أنه يتجه لحصر العوامل والسمات المختلفة، التي يمكن أن نلم بمقتضاها بالجوانب المتنوعة للعملية الإبداعية في شكلها المتكامل.
وتأتى بعد مرحلة فرض الفروض مرحلة أخرى، يقوم بها العالم الذي صاغ هذه الفروض، أو عالم آخر يعكف على هذه التصورات ويحاول أن يترجمها إلى لغة عملية واقعية. لنفرض مثلا أننا بدأنا بالتصور الذي يتبناه البعض للعملية الإبداعية بصفتها مظهرا من مظاهر التعبير عن السيولة والخصوبة الفكرية. فمثل هذا الفرض يجب أن يتحول بمقتضى اللغة العملية إلى مجموعة من العناصر التي يمكن ملاحظتها وتقديرها، أي يجب أن يجتهد العالم أو الباحث السيكولوجي في شحذ خياله لكي يجمع العناصر المختلفة النوعية، التي تعبر عن السيولة والخصوبة الفكرية. فقد يرى مثلا بأنها تعنى:
(1) الإشارة إلى كمية الأفكار التي تطرأ على الذهن عند إثارة موضوع أو مشكلة معينة في وحدة زمنية محددة.
(2) أو قد تعبر في رأيه عن سهولة توليد الأفكار، وسرعة التفكير أو سرعة التصنيف، بإعطاء كلمات في نسق محدد، أو وفق نظام معلوم. ألفاظ أو أفعال أو تشبيهات أو استعارات أو صور.
ومن الترجمة العملية للفروض يسهل بعد ذلك وضع مقياس أو عدة مقاييس لتقدير هذه الخصائص في الأفراد. ومن ثم يسهل علينا بعد ذلك أن نقدر الفروق الفردية والاختلافات الشخصية في الخاصية التي وضعنا المقياس من أجلها.
وتأتي بعد مرحلة وضع المقاييس، مرحلة تطبيق هذه المقاييس على عينات من الأفراد تنتقى بطريقة ما بحيث تكون ممثلة للمجتمع الكبير. ونعالج بعد ذلك إجاباتهم بطرق موضوعية للوصول إلى العوامل المختلفة التي يمكن من خلالها فهم الظاهرة الإبداعية وما تشتمل عليه من قدرات.
والحقيقة أن علم النفس استطاع فيما لا يزيد عن ربع قرن أن يكشف الكثير عن تحليل الإبداع وفهمه، فقد أمكن بفضله اكتشاف أن هناك عوامل أساسية مستقلة للقدرة الإبداعية، دونها لا نستطيع أن نتحدث عن وجود إبداع (انظر المرجعين: 49، 50 في نهاية الكتاب.) من هذه العوامل: الطلاقة، والمرونة الذهنية، والأصالة، والحساسية للمشكلات، والقدرة على المثابرة. ويحتاج القارئ هنا إلى كلمة عن كل من هذه المفاهيم، ليرى صلتها بما يعرف أو لا يعرف عن الإبداع.

 § الطلاقة والخصوبة
ويقصد بالطلاقة أو ما يسمى بالإنجليزية Fluency، القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار الإبداعية. فالشخص المبدع شخص متفوق من حيث كمية الأفكار التي يقترحها عن موضوع معين في وحدة زمنية ثابتة بالمقارنة بغيره؟ أي إنه على درجة مرتفعة من القدرة على سيولة الأفكار، وسهولة توليدها، وتتوافر هذه القدرة في بعض الأشخاص بقدر مرتفع. مثال ذلك ما يذكره "كليمنت آتلى" عن "ونستون تشرشل" أنه كان يستطيع أن يقدم على الأقل عشر أفكار لأي مشكلة. كذلك يذكر نقاد الأدب أن "شكسبير" كان يمتاز بقدر مرتفع من هذه القدرة؟ فليس ثمة مسرحية فيها ذكر للحيوانات والجوارح كما في "الملك لير"، فقد ملأ "شكسبير" مسرحيته تلك بكثير من رموز الرعب. فهو يذكر أربعة وستين حيوانا مختلفا 133 مرة، كما أن معرفته في تلك المسرحية بالنباتات وأسمائها تكاد تكون مذهلة.
وتتخذ مقاييس القدرة على الطلاقة أشكالا عدة منها مثلا: سرعة التفكير بإعطاء كلمات في نسق محدد، تبدأ مثلا بحرف معين أو مقطع، أو تنتهي بحرف معين أو مقطع، ومنها التصنيف السريع للكلمات في فئات خاصة، أو تصنيف الأفكار حسب متطلبات معينة، مثلا القدرة على ذكر أكبر عدد من أسماء الجمع، أو أسماء الحيوانات، أو الأشياء الصلبة، أو البيضاء، أو أكبر قدر من الاستعمالات لقالب الطوب، أو علبة، أو أكبر قدر من العناوين لقصة.. الخ. ومنها القدرة على إعطاء كلمات ترتبط بكلمة معينة كذكر أكبر عدد من التداعيات لكلمة كلب، أو ليل، أو حرب.. الخ، ومنها القدرة على وضع الكلمات في أكبر قدر ممكن من الجمل والعبارات ذات المعنى... وهكذا
[/b].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://korahdir.ahlamontada.com
عمرو عزايزة
مشرف
مشرف
عمرو عزايزة


عدد الرسائل : 1019
العمر : 32
الموقع : الاشرفية
تاريخ التسجيل : 25/08/2008

الأوجه المختلفة للإبداع Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأوجه المختلفة للإبداع   الأوجه المختلفة للإبداع I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 18, 2008 12:22 pm

شكرا الك على هالمعلومات
الله يعطيك العافية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.korahdir.ahlamontada.com
 
الأوجه المختلفة للإبداع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: حوار مع الذات-
انتقل الى: