التعّلم الإلكتروني في الأردن: خيار استراتيجي لتحقيق الرؤية الوطنية
التحديات، الإنجازات، وآفاق المستقبل
د. نبيــــل الفيــّــومي
مستشار التعليم و التدريب
وزارة الاتصالات و تكنولوجيا المعلومات – الأردن
ملخص
إن الولوج في عصر المعرفة الذي يرتكز على استغلال التقنيات الحديثة في شتى مناحي الحياة المعاصرة، يتطلب الارتقاء بالرؤية المستقبلية و إعادة النظر في أساليب العمليات التقليدية على كافة الأصعدة. فقد غدت تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات وسيلة حياة، و ليست مجرد أدوات رفاهية مقتصرة على مجال معين أو نخبة اجتماعية. و في ظل التوجه العالمي نحو اقتصاديات المعرفة التي تعتمد بشكل أساس على التقنيات الحديثة لاستغلال المعرفة في رفع مستوى الرفاه الاجتماعي و استغلال الموارد المختلفة خير استغلال، أصبحت تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات وسيلة بقاء و أداة لا يمكن الاستغناء عنها في ظل عالم مفتوح يعتمد على القدرة التنافسية كمعيار للتقدم و الازدهار. و في هذا الإطار يبرز النظام التعليمي كأهم محرك لإحداث تغيير جذري و ثورة حقيقية في نمط الحياة و التفكير، فالأجيال الصاعدة دائما هي الأقدر على تحقيق نقلة نوعية إن توفرت لها سبل ووسائل التغيير.
و للانتقال إلى اقتصاد المعرفة، بكل ما يحمل هذا المفهوم من تحديات وإرهاصات، لا بد من البدء بالمدارس و الجامعات بحيث تصبح المعرفة والوسائل التي تدعم تحصيلها، و الحفاظ عليها، و في النهاية تخليقها هي أساس النظام التعليمي. و إدراكاً من القيادة في الأردن لأهمية التعليم و التدريب لتحقيق التغيير في نمط التفكير و الذي يجب أن يسبق التحول المطلوب في نمط الحياة، فقد انصبت جهود الحكومات الأردنية المتعاقبة في الحقبة الأخيرة على تأسيس نظام تعلّم معرفي يعتمد التقنيات الحديثة كوسيلة فاعلة لتحصيل و حفظ ونقل المعرفة بأشكالها المختلفة، و كل هذا يتم ضمن رؤية مستقبلية واعية و دعم غير محدود من القيادة العليا. و عليه فقد تم تبني استراتيجية وطنية للتعلم الإلكتروني تنطوي على استغلال التقنيات الحديثة كوسيلة أساسية في نظام التعليم الأردني على جميع المستويات، إلا أن مثل هذا الخيار الاستراتيجي يتطلب تغييراً جذرياً في بيئة و أساليب التعليم و يحتاج إلى جهود جبارة و مصادر هائلة مما يشكل تحديا كبيرا لبلد نام محدود المصادر و الثروات، غير أن النتائج التي سيتمخض عنها تحقيق النقلة المطلوبة ستسهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بشكل مباشر و غير مباشر على المديين المنظور و البعيد و ستساعد الأردن على تجاوز العوائق المادية في الوصول إلى ما يصبو إليه.
في هذه الورقة سنستعرض السياسات و الخطوات التي اتخذها الأردن في مجال التعلم، و ليس التعليم، الإلكتروني، وسنبحث باختصار التحديات التي تواجه هذه المسيرة و الموارد و البيئة المطلوبة لتحقيق أهدافها.
ولإضفاء صبغة واقعية على هذه الورقة، سنعرج في النهاية على بعض الأنظمة و البرمجيات التي تم تطويرها محلياً من قبل شركات أردنية لتوفير وسائل التعلم الإلكتروني باللغة العربية في مدارس المملكة التي تبنتها وزارة التربية و التعليم على المستوى الوطني، حيث سنعرض ميزاتها و مواصفاته، و ما تم تحقيقه باستخدامه.
1 مقدمة
إن النظام التعليمي في الأردن يعنى بما يزيد على ثلث تعداد السكان. فمن خلال الإحصائيات الأخيرة يتبين أن 75% من سكان الأردن هم دون سن ال 30 عاما،ً و أن 53% هم دون سن ال 18، و هذا يدعونا للإستنتاج بأن أي تغيير، أكان اقتصاديا أو اجتماعيا أو سياسيا، يجب أن يبدأ بالمدارس و الجامعات. و من هنا، نرى أن تحقيق الرؤية الوطنية التي رسمها جلالة الملك عبدالله الثاني، و التي تضع الأردن موضع الريادة في المنطقة في مجال التنمية من خلال المعرفة و استخدام تكنولوجيا المعلومات، يبدأ بالأجيال الصاعدة القادرة على التأقلم السريع و صناعة المستقبل، فهم شباب المعرفة الذين تقع على عاتقهم مسؤولية جسر الهوة المعرفية التي نشأت بين الدول النامية و الدول المتقدمة خلال العقد المنصرم.
و قد أدركت القيادة في الأردن أن جهود التنمية يجب أن تركز على إحداث ثورة في النظام التعليمي من خلال سياسات و استراتيجيات محكمة تدخل تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات في لب العملية التعليمية، و تجعل منها قاعدة للإرتقاء بالتعليم، و أداة لحفز الإبداع و التميز. و قد تم تبني سياسة وطنية لإنشاء ما يسمى بشبكات المعرفة و التي تربط الأنظمة التعليمية ببعضها لتحقيق التكامل المعرفي عبر تبادل البيانات و المعلومات من خلال الوسط الإلكتروني بسرعة فائقة و دون عوائق. وإيمانا منها بضرورة التحول إلى نظام التعلّم القائم على البحث و تحصيل المعرفة بدلا من نظام التعليم التقليدي القائم على التلقين و التفكير المسّير، فقد اتخذت وزارة التربية و التعليم إجراءات عملية لإرساء قواعد التعلم الإلكتروني و توفير المصادر التعليمية و المناهج عبر شبكات المعرفة، كما و تم ربط مايزيد على ألف مدرسة بشبكة إلكترونية متوسطة السعة لغاية الآن. و تم تزويد معظم مدارس المملكة بأجهزة حاسوب زاد عددها على ستين ألفاً. و لضمان استخدام هذه التقنيات الحديثة فقد بدأت الوزارة و منذ عام 2002 بتدريب جميع معلمي و موظفي الوزارة على استخدام تقنيات المعلومات و الاتصالات و استغلالها لتحسين العملية التعليمية. و مع أن هذه الخطوات بدأت تؤتي ثمارها و لو بشكل حدود، إلا أن مثل هذا التغيير يتطلب وقتا و جهداً و لا يمكن أن يحدث بين عشية و ضحاها. و نظراً لأهمية هذا الموضوع و إيمانا بأن شبكات المعرفة هي الوسط الأمثل للتعلم و تحصيل المعرفة بسرعة و يسر، فقد تبنت الحكومة الأردنية مؤخراً مشروعا لإنشاء شبكة تعليمية وطنية عالية السعة باستخدام تقنية الألياف الضوئية ستزيد كلفة إنشائها على خمسين مليون دينارا أردني، و ذلك بعد دراسة مستفيضة أثبتت جدوى هذا الاستثمار على المدى البعيد.
إن إمعان النظر في التجربة الأردنية لاستخدام التعلم الإلكتروني، و التي ما زالت في مرحلة البدايات، يظهر مدى تعقيد الأمور و عظم حجم المهمة، إلا أنه يثبت، بعد الاطلاع على ما تم تحقيقه، أنه إذا توفرت النوايا الصادقة و الإيمان بالهدف فإنه يمكن إنجاز ما قد يظنه البعض مستحيلاً. ففي خلال العامين الماضيين تم إنشاء نواة لشبكة المعرفة و تم تأسيس مركز لمصادر التعلم سيزود المدارس بالمناهج التعليمية (باللغة العربية) التي نجحت الوزارة بتحويل بعضها إلى محتوى إلكتروني تم استخدامه من قبل المدارس المربوطة بالشبكة، كما و تم أيضا تدريب و تأهيل ما يزيد على سبعة آلاف معلم على استخدام تقنيات الاتصالات و المعلومات و أساليب التعلم الحديثة. ومع كل ذلك، فإن الطريق ما زال طويلا والتحديات كثيرة، و لكن العزم على تحقيق الهدف، ألا و هو التنمية الشاملة، أثبت أن لا مستحيل مع الإرادة. و نتوقع أن تكتمل شبكة المعرفة هذه في خلال السنوات الخمس القادمة من خلال التدرج في تنفيذ المراحل المتوالية من المشروع الذي قد تصل كلفته إلى خمسمائة مليون دولار أمريكي تم تأمين جزء منها من خلال القروض و المنح و الميزانية. و من المنظور أن تربط الشبكة المعرفية المدارس و الجامعات و الكليات و مراكز التدريب المهني، بحيث تتوفر المعرفة للجميع بغض النظر عن المكان و الزمان. و قد يتم ربطها في المستقبل بشبكة الحكومة الإلكترونية ومراكز المجتمع المحلى لتوفير فرص التعلم المستمر للجميع في الأردن.
2 استراتيجية التعلم الإلكتروني في الأردن
اعتمدت وزارة التربية و التعليم، بالتنسيق مع وزارتي التخطيط و تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات سياسة وطنية للتعلم الإلكتروني من خلال إنشاء شبكات المعرفة الوطنية. حيث ستستخدم تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات كقاعدة للتحول إلى نظام التعلم الذي يعتمد على تطوير قدرة التعلم الذاتي و التفكير النقدي بدلا من نظام التعليم التقليدي الذي يعتمد التلقين من قبل المعلم بشكل أساسي. و هذا يتطلب توفير وسائل و أساليب التعلم الإلكتروني لما يزيد عن 3000 مدرسة موزعة على أنحاء المملكة، بحيث يتحول دور المعلم من ملقن إلى منسق ووسيط لمساعدة الطلبة على الوصول إلى المعومات و من ثم تحصيل المعرفة دون الحاجة إلى التدخل إلا في الحالات التي يلزم فيها ذلك. و تركز الاستراتيجية على ضرورة نشر المعرفة بين الأردنيين من خلال شبكات المعرفة و من خلال الاستفادة من التقنيات الحديثة وصولا إلى مجتمع معرفي يسخّر المعرفة لتحسين اقتصاده و حياته و الرقي بحضارته.
3 متطلبات التعلم الإلكتروني
التعلم الإلكتروني هو مفهوم واسع و معقد و يؤثر على العديد من النواحي الحياتية و يتطلب تضافر عناصر مختلفة لتحقيق الأهداف المعرفية و ليس كما يظن البعض، أنه مجرد عملية نقل المحتوى أو المعلومات من الوسط الورقي إلى الوسط الإلكتروني. و في هذا السياق، سعت وزارة التربية و التعليم للحصول على الدعم اللازم لتحقيق متطلبات توفير التعلم الإلكتروني من خلال شراكة مع الوزارات المعنية و الجهات الداعمة و القطاع الخاص، و التي تتمثل فيما يلي:
3.1 البنية التحتية
تشمل هذه البنية شبكة الربط الإلكتروني (National Educational Network) التي ستصل المدارس و الجامعات ببعضها، و الهيكلية التي ستقوم عليها الشبكة و التي تحدد أجهزة الربط الإلكتروني (DCE & DTE)، و أجهزة الحاسوب التي ستستخدم للإتصال و التصفح، و من ثم البرمجيات التي ستوفر التطبيقات التعليمية التي ستسهل التعامل مع المحتوى التعليمي الذي سيكون في الغالب باللغة العربية. و فيما يلي استعراض لعناصر البنية التحتية و مواصفاتها حسب الخطة الوطنية الأردنية:
شبكة عالية القدرة (Broadband Network): توفر اتصالاً بين ما يزيد على 3200 مدرسة و 7 كليات جامعية و 8 جامعات رسمية بسعة لا تقل عن 100Mbps، و ذلك لضمان قدرة نقل عالية تضمن سرعة تنزيل المناهج و التطبيقات و تبادل البيانات في حالات التعلم التفاعلي (Interactive Learning).
يتضح أن هذا التوجه بدأ ينتشر نظراً لتطور التقنيات بسرعة و زيادة حجم التطبيقات و المحتويات التي يجب توفرها في بيئة التعلم الإلكتروني و نظراً للجدوى الإقتصادية التي يحققها وجود وسط إلكتروني سريع من خلال الإعتماد على نظام مركزي و التوفير في تكلفة الأجهزة الطرفية و التي تكومن أعدادها كبيرة.
هيكلية تعتمد نظام (Thin Client) و الذي يعتمد بالأساس على مركزية المعالجة من خلال تسخير أجهزة خوادم عالية القدرة الحسابية و السعة التخزينية و أجهزة حواسيب طرفية رخيصة ذات قدرة محدودة. و مثل هذا النظام يتطلب شبكة ربط عالية السعة لضمان سرعة انتقال التطبيقات و المحتويات عند الحاجة إليها بدلا من الدخول في تعقيدات تحميل البرمجيات على الحواسيب الطرفية و صيانتها. هذا النوع من الأنظمة يتطلب استثمار مبدئي كبير في إنشاء شبكة تعليمية عالية السعة، إلا أنه يثبت فاعلية و جدوى اقتصادية على المدى البعيد.
البرمجيات التعليمية و التي توفر تطبيقات لإدارة التعلم (Learning Management System) و إدارة المحتوى الإلكتروني، و أنظمة التحكم و السيطرة و المتابعة للشبكة (Operation Management and Control). و يشكل هذا العنصر تحديا نظرا لعدم توفر التطبيقات التي تتعامل مع اللغة العربية سواءً في الشكل أو المضمون، مما حدا ببعض الشركات الأردنية للنهوض بالمسؤولية و تطوير برمجيات قادرة على توفير الأنظمة و التطبيقات التي تدعم عملية التعلم الإلكتروني باللغة العربية (أنظر الملاحق). و مع أنها في بداياتها، إلا أن النتائج الأولية لما تم تطويره تبشر بمستقبل زاهر و تثبت قدرة المبدع العربي على الاكتفاء الذاتي و خصوصا في هذا المجال.